تشهد مدينة عدن نمواً سكانياً متسارعاً نتيجة للهجرة الداخلية والنزوح، إضافةً إلى تزايد أعداد اللاجئين. هذا الضغط السكاني الكبير، إلى جانب الاستنزاف المستمر للمياه الجوفية في أحواض بئر أحمد وبئر ناصر، يشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي للمدينة. ومع استمرار الحفر العشوائي للآبار الارتوازية والهدر في استهلاك المياه، يلوح في الأفق خطر حقيقي يتمثل في نضوب هذه الأحواض، الأمر الذي يستدعي البحث عن بدائل استراتيجية ومستدامة.
الواقع المائي في عدن
ملوحة مياه البحر في عدن تصل إلى معدل (TDS ≈ 36,000 ppm).
مياه بئر أحمد حالياً يبلغ متوسط ملوحتها حوالي (1,200 ppm)، وتستخدم للأغراض المنزلية، في حين أن المياه الصالحة للشرب يجب أن تكون ملوحتها أقل من (500 ppm).
إن استمرار الضغط على هذه الموارد دون حلول بديلة يهدد بانقطاع شبه كلي لمصادر المياه العذبة مستقبلاً.
تحلية مياه البحر كخيار استراتيجي
مع التطور الكبير في تقنيات التناضح العكسي (RO)، بات إنشاء محطة مركزية لتحلية مياه البحر في عدن حلاً عملياً وضرورياً. ويُقترح أن تكون سعة المحطة لا تقل عن 50,000 متر مكعب يومياً، وهي كمية كافية لتغطية جزء كبير من الاحتياجات المعيشية للمدينة.
الجدوى الاقتصادية
تكلفة إنشاء المحطة تُقدَّر بين 50 – 60 مليون دولار أمريكي.
المساحة المطلوبة: حوالي 1.5 هكتار.
وبالمقارنة مع محطات ضخمة في دول المنطقة، مثل السعودية (محطات بسعات مليونية)، ومصر، وحتى فلسطين المحتلة التي تمتلك محطة تنتج 890 ألف متر مكعب يومياً، فإن المشروع في عدن يُعتبر صغيراً وذا جدوى عالية.
الجوانب التشغيلية والبيئية
يمكن تشغيل المحطة نهاراً بالاعتماد على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لتقليل كلفة التشغيل وضمان استدامتها، حيث إن متوسط كلفة تحلية المتر المكعب قد تصل إلى (0.3 – 0.5) دولار.
ويُفضل اختيار موقع المحطة في منطقة العلم أو رأس عمران، حيث تكون مياه البحر أنقى وأبعد عن الملوثات مثل مياه الصرف الصحي والزيوت، والتي قد تتسبب في تلف مبكر لأغشية وحدات الـ RO.
---
أثر المشروع على مستقبل مدينة عدن
إن إنشاء محطة تحلية مركزية سيسهم في:
ضمان الأمن المائي لمدينة عدن.
تعزيز الاستقرار السكاني وتقليل النزاعات المرتبطة بندرة المياه.
دعم التنمية الاقتصادية والنمو العمراني.
ربط المشروع بسياسات الطاقة المستدامة بما يعزز كفاءته ويحسن صورته البيئية.
وكما أن مصر هبة النيل، فإن عدن هبة أحواض بئر أحمد وبئر ناصر. غير أن هذه الأحواض مهددة بالنضوب، مما يجعل تحلية مياه البحر عبر تقنية التناضح العكسي ضرورة استراتيجية وليست خياراً ثانوياً.
علماً أن الأشقاء في البرنامج السعودي للإعمار قد اعتمدوا إنشاء محطة لتحلية المياه بسعة عشرة آلاف متر مكعب يومياً في الحسوة، غير أن ذلك لا يكفي. لذا فإن على الحكومة اليمنية، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، الإسراع في تمويل مشروع إنشاء محطة تحلية مركزية للحفاظ على مستقبل عدن المائي وضمان استدامة الحياة فيها.
23 أغسطس 2025