في أقصى شمال محافظة الضالع، على تخوم التماس الحدودي مع محافظة إب، تنبسط بلاد حجر شامخةً بهويتها، ضاربةً جذورها في عمق الجغرافيا الجنوبية، وراسمةً على صدر الجنوب ملامح وطنٍ مقاومٍ لا يعرف الانكسار.
لقد كانت بلاد حجر منذ فجر الحركة التحررية الجنوبية مهدًا لانطلاق براكين الثورة، ومصهرًا لصياغة الخطاب الوطني المقاوم. فقد قدّمت دماءً نقيّةً في سبيل الاستقلال الأول عن المستعمر البريطاني، ومن ثم في مواجهة الهيمنة السياسية والإقصاء التاريخي الذي رافق مراحل الوحدة القسرية. كما مثّلت هذه المناطق معقلاً حصينًا للحراك الجنوبي، ووقودًا لا ينطفئ لمسيرة الاستعادة والهوية التي بزغ فجرها في صيف حرب 94 وتبلورت مع انطلاق الحراك في العام 2007، حيث لفظت بلاد حجر مقولة "الوحدة أو الموت" واستبدلتها بإرادة لا تلين في الانبعاث الجنوبي الحر.
ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة في العام 2015، ثم تجددها في 2019، ظلت بلاد حجر تقدم فاتورة باهظة من التضحيات، مدفوعة بدماء شهدائها وشلالات من العطاء، دفاعًا عن الوطن الجنوبي ومكتسباته الوطنية. ورغم تعاقب الأعوام، لا تزال الحرب الحوثية تقف على مشارفها، وأبناؤها يواصلون دفع ضريبة الوطن بأرواحهم الزكية، ضمن صفوف القوات المسلحة الجنوبية الباسلة، ما يجعل منها ميدانًا دائمًا للصمود والتضحية.
تمتد بلاد حجر على مساحة تُقدّر بـ 18 كيلومترًا مربعًا، وتحوي أكثر من 105 قرية تتوزع بين العزل والمراكز الريفية، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في المحافظة. وقد أظهرت الإحصائيات الأخيرة للجهاز المركزي للإحصاء في ديسمبر 2022 أن عدد السكان تجاوز 42,328 نسمة، موزعين ضمن تركيبة اجتماعية متماسكة تتسم بالارتباط العشائري والانتماء القروي العميق.
أما من الناحية الجغرافية، فبلاد حجر تملك موقعًا استراتيجيًا فريدًا، كونها بوابة محافظة الضالع الشمالية وحدودًا فاصلةً مع العربية اليمنية، وتُعد حلقة وصل بين مديريات الضالع والحشا والحصين وقعطبة، مما يمنحها أهمية أمنية وعسكرية بالغة، ويجعلها نقطة ارتكاز حيوية في الخارطة الجيوسياسية للمحافظة.
تحد المنطقة من الغرب سلسلة جبال الحشا، ومن الشرق جبال حرير ومديرية الشعيب، ومن الشمال مديرية قعطبة وبلاد اليوبي التابعة لمحافظة إب، ومن الجنوب سيلة تبن وسلسلة جبال جحاف وبلاد الشاعري، وهو تنوّع تضاريسي يخلق بيئة متميزة من حيث الزراعة والمياه الجوفية، وتنتشر فيها المدرجات الزراعية وعيون المياه التي تُستخدم للري والشرب.
حضاريًا وتاريخيًا، يُنسب اسم "حجر" للملك الحميري حجر بن ذي رعين الحميري، أحد أبرز أحفاد القيل شمنهار يهنعم، ويرتبط تاريخ المنطقة بالعصر الحميري، إذ عُثر على نقوش أثرية ونقود تحمل صور الملك ونقوشه، تُعد من أندر المعثورات في شبه الجزيرة العربية بحسب توصيف المكتبة الأثرية الأميرية في الضالع. وتُظهر هذه الشواهد التاريخية أن بلاد حجر كانت ذات أهمية دينية وإدارية وعسكرية في قلب الدولة الحميرية، وأنها ظلت عبر العصور حاضنةً للحراك الفكري والثقافي في محيطها الجبلي المقاوم ومساحاتها الريفية المفتوحة مترامية الأطراف.
في ختام التقرير، تبقى بلاد حجر شاهدًا حيًا على تلاقح الجغرافيا بالتاريخ، وعلى نشوء حضاراتٍ ضاربةٍ في القدم، وتستمر اليوم بموقعها الحدودي وأهميتها الاستراتيجية في لعب أدوار مفصلية في مسارات التغيير في جنوبنا الحبيب، كما تعاني المنطقة من هشاشة البنية التحتية، لا سيما الطرقات الوعرّة التي تفصلها عن المشافي و المراكز الحيوية، الأمر الذي تسبب في نزيف إنساني مستمر، ووفاة جرحى أثناء خط السير قبل ان ينالوا حقهم في الوصول و العلاج .
وهي بحق، بكل هذه الاعتبارات، تستحق أن تُوصف بأنها بوابة الجنوب ومفتاح الضالع نحو السيادة والاستقرار، وأن تُمنح مكانتها الإدارية كمديرية مستقلة، تأكيدًا لاستحقاقها التاريخي والجغرافي والسكاني والحضاري و النضالي .